كيف يمكن تحسين جودة الهواء بالذكاء الاصطناعي في المدن؟
في عام 2023، قُدّرت نسبة الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء بـ 7 مليون شخص سنوياً حول العالم، حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية[1]، مع تزايد هذه الأرقام تواجه المدن تحديات متزايدة فيما يتعلق بجودة الهواء خاصة في المدن الكبرى حيث يزداد مستوى التلوث في المدن يوماً بعد يوم.
لذا أصبح تحسين جودة الهواء ضرورة ملحة، وهنا يأتي دور تحسين جودة الهواء بالذكاء الاصطناعي ومواجهة هذه التحديات من خلال توفير حلول مبتكرة لتحسين البيئة الحضرية، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لاتخاذ تدابير استباقية تساهم في الحفاظ على البيئة وتقليل التلوث.
جدول المحتويات
كيف يمكن تحسين جودة الهواء في المدن؟
تعتمد المدن الذكية على مجموعة من الأساليب والتقنيات البيئية الذكية لتحسين جودة الهواء بالذكاء الاصطناعي، ومن أحد الأساليب المستخدمة هو استخدام أجهزة استشعار تلوّث الهواء موزعة في جميع أنحاء المدينة لجمع البيانات البيئية، هذه الأجهزة قادرة على قياس مستويات الملوثات مثل ثاني أكسيد الكربون والجسيمات العالقة في الهواء ليتم بعدها تحليل هذه البيانات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد أنماط التلوث وتقديم توصيات للتقليل منها.
أحد الأمثلة البارزة هو استخدام تقنيات إنترنت الأشياء (IoT) في بعض المدن المتقدمة مثل دبي، حيث يتم دمج البيانات من أجهزة استشعار الهواء مع بيانات أخرى مثل بيانات المرور والطقس لتقديم صورة دقيقة عن حالة الهواء في الوقت الفعلي مما يسمح باتخاذ تدابير سريعة مثل تعديل إشارات المرور لتقليل الازدحام، الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى تقليل انبعاثات المركبات[2].
دور الذكاء الاصطناعي في مراقبة جودة الهواء
يمكن تحسين جودة الهواء بالذكاء الاصطناعي من خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات في وقت قصير، تعتمد هذه الأنظمة على خوارزميات التعلم العميق لتحليل البيانات من خلال أجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية، هذه الخوارزميات قادرة على تحديد مصادر التلوث بدقة سواء كانت ناتجة عن حركة المرور، أو النشاط الصناعي، أو عوامل أخرى الأمر الذي يقضي وضع خطط عمل استباقية لتقليل التلوث.
إضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين دقة التنبؤات البيئية عبر تقنيات مثل نماذج النقل الجوي (Atmospheric Transport Modelling System) التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لفهم تأثير الملوثات البيئية، مثل الجسيمات الدقيقة (PM)، وتحديد كيفية تحرك هذه الملوثات عبر الهواء مما يساعد في اتخاذ قرارات مدروسة بشأن التدابير اللازمة لتحسين جودة الهواء[2].
كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على البيئة؟
لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على مراقبة جودة الهواء فحسب، بل يمتد إلى تحسين كفاءة الطاقة وإدارة الموارد بشكل عام، من خلال تحسين البيانات المتاحة وتحليلها بسرعة وفعالية يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تخفيض الانبعاثات الناجمة عن استهلاك الطاقة حيث يمكن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي للتحكم في أنظمة التدفئة والتبريد في المباني الكبيرة، مما يقلل من استهلاك الطاقة ويحد من التلوث عبر إدارة الموارد بشكل أكثر كفاءة وتوجيهها نحو الاستخدام الأمثل.
ومن هذا الإطار يبرز دور الذكاء الاصطناعي والاستدامة في تقديم حلول الطاقة النظيفة للمشاكل البيئية الأخرى مثل إدارة النفايات والحد من تلوث المياه، تعد هذه الحلول جزءاً من التقنيات البيئية الذكية التي تساهم في تقليل الأثر البيئي للإنسان، وتجعل من المدن مراكز بيئية متطورة[3].
التقنيات الجديدة المستخدمة للحد من تأثير الإنسان على البيئة
إحدى التقنيات المبتكرة التي تستخدمها المدن لتحسين جودة الهواء بالذكاء الاصطناعي هي دمج الذكاء الاصطناعي مع إنترنت الأشياء (IoT) تعمل هذه الأنظمة بشكل متكامل لتحليل البيانات من أجهزة الاستشعار التي تُجمع من مواقع مختلفة في المدينة، مثل مواقف السيارات، المركبات، أو حتى الهواتف المحمولة.
على سبيل المثال، في مشروع طورته Telefonica في البرازيل بالتعاون مع شركات محلية، تم الاعتماد على تقنيات تحليل البيانات المستخلصة من أجهزة الاستشعار مع البيانات المتاحة من مصادر مفتوحة مثل بيانات الطقس والتعداد السكاني، مما مكّن المدن من اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة بشأن كيفية إدارة جودة الهواء وتخفيض الانبعاثات الضارة[4].
يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين البيئة أيضاً وتقييم تغير المناخ من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات مثل الصور وبيانات المستشعرات ما يُسهم في التنبؤ بالأحداث الجوية مثل الأعاصير وحرائق الغابات من خلال تحليل بيانات الأقمار الصناعية ومحطات الأرصاد الجوية، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بالأحداث الجوية المستقبلية.
في مجال الزراعة يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز كفاءة الزراعة من خلال استخدام الطائرات بدون طيار وأجهزة الاستشعار المتقدمة، يمكن اكتشاف الآفات والمشاكل الزراعية بسرعة وبدقة أكبر، مما يلغي الحاجة إلى طرق تقليدية مكلفة وملوثة مثل الطائرات الهليكوبتر، كما تُسهم الروبوتات المزودة بالطاقة الشمسية في مكافحة الأعشاب الضارة بشكل آمن دون اللجوء إلى المواد الكيميائية[5].
في ضوء الابتكارات المستمرة، يعد الذكاء الاصطناعي محركاً رئيسياً لتحسين جودة الهواء في المدن، إذ يوفر القدرة على مراقبة التغيرات البيئية، التنبؤ بمستويات التلوث، واتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة لتقليل الانبعاثات الضارة، ومع استمرار التطورات في هذا المجال يجب أن تتبنى المدن تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء للحفاظ على بيئة صحية للأجيال القادمة.