التعلم التعزيزي: التطبيقات و6 ابتكارات جديدة
في عالم يتغير بسرعة حيث تزداد تعقيدات التفاعل بين الإنسان والآلة، يبرز التعلم التعزيزي كقوة محورية تعيد تشكيل كيفية اتخاذ القرارات إذ يُعتبر التعلم التعزيزي جزءًا أساسيًا من “التعلم المعزز في الذكاء الاصطناعي”، حيث يُمكن الوكلاء من التعلم من تجاربهم وتفاعلاتهم مع البيئة، وفي هذا المقال، سنغوص في عالم التعلم التعزيزي، نستكشف ما هو وكيف يعمل، وكيف يفتح آفاقًا جديدة في مجالات متعددة مثل الألعاب، الروبوتات، وغيرها العديد من المجالات، إضافةً إلى أهم أمثلة التعلم التعزيزي.
جدول المحتويات
ما هو التعلم التعزيزي وكيف يعمل؟
التعلم المعزز Reinforcement Learning هو أحد فروع التعلم الآلي يركز على كيفية اتخاذ القرارات من أجل تحقيق أعلى المكافآت التراكمية في بيئة معينة، حيث يختلف عن التعلم تحت الإشراف، لأنه يعتمد على التجربة والتفاعل المباشر مع البيئة، حيث يتعلم الوكيل (العميل) كيفية تحقيق أهدافه في بيئة معقدة وغير واضحة من خلال أداء مجموعة من المهام وتلقي التغذية الراجعة على أدائه في شكل مكافآت أو عقوبات.
إذ تمثل المكافآت قيمًا إيجابية تُمنح عندما ينجح الوكيل في إنجاز مهمة معينة، بينما تشير العقوبات إلى قيم سلبية تُعطى عند حدوث الأخطاء، ويعتمد الوكيل على ملاحظات المكافآت والعقوبات لتحسين أدائه مع مرور الوقت، حتى في غياب إشراف خارجي يتعين عليه اكتشاف تسلسل الأفعال المؤدي إلى تحقيق أقصى قدر من المكافآت.
باختصار يُعد التعلم التعزيزي أداة قوية في الذكاء الاصطناعي تتيح للوكيل تحسين أدائه من خلال التجربة والتفاعل مع البيئة، ومن المهم الإشارة إلى أن خوارزمية التعلم التعزيزي تُعتبر واحدة من أقوى الأدوات في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يمكّنها من التكيف مع التحديات المختلفة وتحقيق الأهداف بكفاءة عالية.
تطبيقات التعلم التعزيزي في مجال الألعاب والروبوتات

يعتبر تقنية متقدمة تُساهم في تحسين الأداء في مجالات متنوعة من خلال التعلم من التجربة، حيث يمكن لهذا النوع من التعلم أن يحدث ثورة في تطبيقات مثل الألعاب ومعالجة الروبوتات، وفيما يأتي تطبيقات التعلم التعزيزي في مجال الألعاب والروبوتات:
اختبار الألعاب التلقائي
تخيل لعبة أكثر تعقيدًا من لعبة ماريو، مثل لعبة إطلاق نار من منظور الشخص الأول (FPS) حيث يرى اللاعب الأحداث كما لو كان في موقع الشخصية في هذه الألعاب هناك أنماط لا حصر لها من الأفعال التي يمكن أن يقوم بها اللاعب، مثل المشي والجري وإطلاق النار وتغيير نوع السلاح.
في هذه الحالة يتضمن الاختبار التقليدي للألعاب ساعات طويلة من اللعب من قبل المختبرين للتأكد من أن اللعبة تعمل بشكل جيد، ولكن من خلال أتمتة عملية اللعب، يمكن للمختبرين ضبط وقت معين ليكمل الذكاء الاصطناعي اللعبة، وإذا لم يتمكن الذكاء الاصطناعي من إكمالها، يقوم المختبرون بالتحقق من السجلات لفهم السبب وإجراء التحسينات المطلوبة.
ضبط سلوك الشخصيات
يستخدم التعلم التعزيزي أيضًا في ضبط سلوكيات الشخصيات غير القابلة للعب (NPCs). على سبيل المثال، في لعبة قتال يرغب المطورون في إنشاء شخصيات مختلفة بمهارات وقدرات متنوعة ولكن متوازنة حيث يساعد في هذه الحالة بأتمتة القتال بين الشخصيات الذكية وجمع إحصاءات الفوز والخسارة، وفي حال كانت هذه الإحصاءات منحازة بشدة تجاه شخصية معينة، يمكن للمطورين تعديل قدراتها لضمان توازن اللعبة.
معالجة الروبوتات
يشتمل على تعليم الروبوت كيفية الإمساك بأشياء متنوعة، مثل الأدوات والقطع الصناعية، حتى تلك التي لم تُستخدم خلال مرحلة التدريب، مما يعزز قدرتها على العمل بفعالية في خطوط الإنتاج حيث تتم هذه العملية من خلال دمج تقنيات تحسين متقدمة مع نوع خاص من التعلم العميق في الذكاء الاصطناعي يُدعى QT-Opt، الذي يتناسب مع مشكلات الروبوتات بسبب دعمه للمساحات المستمرة للحركات.
يتم تدريب النموذج أولًا على بيانات غير متصلة بالإنترنت، ثم يتم استخدامه وضبطه ليعمل على الروبوتات الحقيقية، وفي تجربة أجرتها Google AI، تم استخدام هذه الطريقة مع 7 روبوتات حقيقية، والتي عملت لمدة 800 ساعة خلال فترة 4 أشهر.
ابتكارات التعلم التعزيزي في مختلف المجالات

فيما يأتي أهم الابتكارات التي ظهرت بفضل الذكاء الاصطناعي المعزز في مختلف المجالات:
السيارات ذاتية القيادة
تساعد في تطوير السيارات ذاتية القيادة، إذ تحتاج هذه السيارات إلى التعامل مع العديد من العوامل مثل، ضبط السرعة، المناطق القابلة للقيادة، وتجنب الحوادث المرورية، وتشمل المهام:
- تحسين المسارات: تعديل مسار السيارة لتحقيق أفضل حركة.
- تخطيط الحركة: تحديد كيفية تحرك السيارة في المسارات البسيطة والمعقدة.
- سياسات الركن التلقائي: تعلم كيفية ركن السيارة بشكل صحيح.
مثال على ذلك هو إيه دابليو إس ديب ريسر (AWS DeepRacer)، التي تم تصميمها لاختبار المفهوم السابق على مسار حقيقي، حيث تم استخدام الكاميرات لرؤية المسار وتطبيق نموذج تعلم لتعزيز التحكم في السرعة والاتجاه.
قطاع الصناعة
تُستخدم الروبوتات المعتمدة على التعلم التعزيزي في الصناعة لأداء مجموعة متنوعة من المهام. على سبيل المثال، استخدمت شركة ديب مايند (DeepMind) تقنيات الذكاء الاصطناعي لتبريد مراكز بيانات Google، مما أدى إلى تقليل استهلاك الطاقة بنسبة 40%، حيث يقوم النظام بإدارة هذه المراكز بشكل كامل دون الحاجة لتدخل بشري، لكن هناك إشراف مستمر من خبراء لضمان الأداء الجيد.
التجارة والمال
يمكن استخدام نماذج السلاسل الزمنية للتنبؤ بالمبيعات وأسعار الأسهم، لكن لا تحدد هذه النماذج الإجراء الذي يجب اتخاذه عند سعر سهم معين، وهنا يأتي دور التعلم المعزز (RL)، الذي يمكنه اتخاذ قرارات مثل الشراء أو البيع، ويتم تقييم النموذج بشكل مستمر باستخدام معايير السوق لضمان الأداء الجيد.
معالجة اللغة الطبيعية
في معالجة اللغة الطبيعية، يمكن استخدامه من أجل تلخيص النصوص والإجابة على الأسئلة، حيث يستطيع الإجابة على الأسئلة من نصوص طويلة، كما يتم اختيار جمل معينة ذات صلة بالسؤال ثم استخدام شبكة عصبية للإجابة.
الرعاية الصحية
في مجال الرعاية الصحية، يمكن استخدام التعلم التعزيزي لتطوير سياسات علاجية بناءً على تجارب سابقة، مما يساعد على تحسين نتائج العلاج للمرضى، ويُعتبر مفيدًا في تحديد قرارات العلاج المناسبة في الوقت المناسب.
التسويق والإعلانات
يستخدم Reinforcement Learning في عمليات المزايدة الفورية، حيث يتم تقسيم المعلنين إلى مجموعات، ويتم تعيين وكلاء استراتيجيين لكل مجموعة، والهدف هو تحقيق توازن بين المنافسة والتعاون بين المعلنين؛ مما يساعد على تحسين نتائج المزايدة وزيادة فعالية الحملات الإعلانية.
التحديات المستقبلية أمام تطبيق التعلم التعزيزي
يعد التعلم المعزز علامة فارقة مهمة في خوارزميات تعلم الآلة، ولعل ميزته في الاستجابة للتفاعلات تجعله قادراً على تنفيذ المهام بجودة عالية سواء كان هناك تحكم صريح أو لا. فيما يأتي أبرز التحديات المستقبلية التي قد تواجهه:
معضلة الاستكشاف مقابل الاستغلال
يجب على الوكلاء أو الأنظمة أن يجدوا توازنًا بين استكشاف طرق جديدة، واستخدام ما يعرفونه بالفعل إذا أنه إذا ركز الوكيل (العميل) على ما يعرفه دون التركيز على استكشاف معلومات وطرق جديدة فقد يفوّت فرص تحسين أدائه من خلال تجربة سلوكيات جديدة.
كفاءة البيانات
يتطلب التعلم التعزيزي الكثير من التجارب لاكتساب سلوكيات فعالة، وفي الواقع قد يكون من الصعب أو حتى مستحيلًا جمع هذه التجارب؛ مما يجعل تحسين كفاءة البيانات تحديًا كبيرًا.
التعميم وتعلم نقل المهام
تواجه النماذج صعوبة في تعميم المعرفة المكتسبة على حالات جديدة لذا تطوير طرق تعلم النقل التي تسمح للوكيل باستخدام ما تعلمه في مهمة واحدة في مهمة أخرى يمثل تحديًا مستمرًا.
الاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية
مع تزايد استخدام التعلم التعزيزي في التطبيقات الحساسة تظهر قضايا أخلاقية مثل العدالة والمساءلة، ويعتبر من الضروري أن تتضمن الأنظمة المعتمدة على التعلم التعزيزي مبادئ واضحة لضمان استخدامها بطريقة أخلاقية.
تقنيات المعالجة المتقدمة
استخدام تقنيات مثل التعلم العميق يزيد من تعقيد النماذج ويحتاج إلى موارد حسابية كبيرة، مما قد يعيق تطبيقها في بيئات ذات موارد محدودة.
خلاصة
يستعد التعلم التعزيزي لكتابة فصل جديد في قصة التطور التكنولوجي فبعد أن كان حبيسًا للمختبرات وألعاب الفيديو، يقفز هذا العلم ليغزو كل مناحي حياتنا. تخيل مدنًا ذكية تدير نفسها بنفسها، وسيارات ذاتية القيادة تجوب الشوارع، وأجهزة طبية شخصية تتكيف مع احتياجاتنا الفردية كل هذا وأكثر يصنعه بسلاسة، مستعدًا لتحويل أحلامنا إلى واقع.
الأسئلة الشائعة
ما هو التعلم المعزز في الذكاء الاصطناعي؟
التعلم التعزيزي هو جزء من مجال تعلم الآلة حيث يركز على كيفية اتخاذ القرارات، ويعتمد على التجربة والتفاعل في بيئة محددة.
من أمثلة التعلم التعزيزي؟
التنبؤ بأسعار الأسهم في الأسواق المالية، التحكم بالروبوتات الذكية، تقنيات السيارات ذاتية القيادة، تحسين الاستراتيجيات العلاجية.